فاصولياء شاحبة

فاصولياء شاحبة

تبدأ قصتنا مع سيدة تبدو في الثلاثينيات من عمرها مستلقية على سرير داخل مستشفى و يظهر عليها الإعياء الشديد، و بجانبها سيدة أخرى تبدو في الأربعينات، تتحدث هذه الأخيرة إلى الأخرى التي على السرير، إلا أننا لا نسمع كلامها في مشهد يملأه الغموض، يبدو كل شيء مشوشاً وغير مفهوم، لكن، لما لا نعود بالزمن يوما واحدا إلى الوراء لعلنا نفهم ما يجري؟

(عودة بالزمن) يبدأ المشهد مع سيدة تمشي وحيدة في الشارع، مهلا، إنها نفس السيدة التي كانت مستلقية على السرير في المستشفى، إلا أنها الآن ترتدي بذلة عمل، كما أنها واقفة على قدميها، حسنا هذه سميرة، زوجة و أم لطفلين وموظفة في شركة محاسبة، لكن ليس بعد الآن، فبطلتنا قد طردت للتو من عملها رغم كل التضحيات التي قدمتها لتحافظ على هذه الوظيفة، لكن، لا تجري الرياح بما تشتهي السفن، على أي حال، وصلت سميرة إلى منزلها ليستقبلها طفلاها بالشجار حول أقلامهما، قد يبدو شجارا سخيفا لكنه كان بمثابة مطرقة تضرب رأسها، لكن على غير عادتها لم تكترث بطلتنا لشجار طفليها، بل دخلت متوجهة إلى المطبخ و بدأت بتسخين الغداء، مجرد القليل من الفاصولياء، فاصولياء شاحبة كحياة سميرة، تركت هذه الأخيرة الغداء يسخن فوق الموقد و اتجهت نحو غرفتها ، استلقت على سريرها و حاولت الخلود إلى النوم ، لكن الصراع الذي بداخلها أكبر بكثير من أن يتركها تنام أو ترتاح، دوامة من الأفكار ، ألستُ كافية؟ ألم أكن مفيدة؟ هل أنا أصلا مفيدة؟ إلخ…، وفي وسط هذه الفوضى التي بداخل رأسها، تسمع صوت رنين هاتف المنزل الثابت، إنه اتصال من المستشفى ، اتصال يخبرها بأن زوجها قد تعرض لحادث خطير أدخله في غيبوبة، كان وقع هذا الخبر كالصاعقة على بطلتنا، عصفت بها مجددا مئات بل آلاف الأفكار، كيف حصل هذا؟ لقد كان بخير في الصباح؟ لقد كان يمازح أطفاله للتو في الصباح ووعدهم بأن يأخذهم للملاهي، ألن أراه مجددا؟ وفي حالة من الهستيريا ، جمعت سميرة شتاتها، و حملت نفسها و خرجت متوجهة نحو المستشفى، وصلت سميرة، دخلت الغرفة و جلست تراقب زوجها بصمت، زوجها الذي يبدو كجثة هامدة وسط كل تلك الأجهزة، ليقطع هذا الصمت صدمة أخرى، تذكرت سميرة للتو أنها تركت أطفالها بالمنزل، لا، و لم تطفئ الموقد حتى، تيبست أطراف بطلتنا، وعصفت بها مرة أخرى آلاف الأفكار، كيف نسيت أطفالي؟ لم أقصد نسيانهم، لقد حاولت فقط تجاهل صراعهم، يالي من أم بلهاء مهملة ! استجمعت سميرة ما بقي من طاقتها و اتجهت نحو منزلها، فوجدت النيران تلتهمه، وأمام ذلك المنظر المهول كانت سميرة قد وصلت لأقصى حد من طاقتها، لتعصف بها مرة أخرى آلاف الأفكار، لمرة أخيرة هذا اليوم، طردت من عملي، زوجي في غيبوبة، بيتي احترق، أطفالي يتشاجرون ليل نهار، يا ليتهم يتشاجرون ليل نهار، فبطلتنا شبه متأكدة من أنهم في عداد الموتى، في هذه اللحظة، أغمي على بطلتنا.
استيقظت سميرة في الصباح في المستشفى، و بجانبها طبيبة نفسية عينها المستشفى نظرا لحالة بطلتنا العصبية الخطيرة، ها نحن عدنا لمشهدنا الأصلي، فكل ما قد حصل للتو كان مجرد فلاش باك لما حصل اليوم السابق، بعد أن ارتاحت سميرة قليلا، طرحت الطبيبة عليها مجموعة من الأسئلة، ماذا حصل؟ متى لماذا أين و كيف؟ سردت سميرة ما حصل لها للطبيبة، سكتت هذه الأخيرة قليلا ثم قالت: “عندما نترك مشاعرنا و أحاسيسنا و نظرتنا السيئة تتحكم فينا، فحياتنا تصبح كارثة عظمى، و حياتك في حالتك هذه يا بنيتي أسوء من الكارثة العظمى بكثير ، حاولي تغيير وجهة نظرك و تحكمي في مشاعرك بدل تحكمها فيك و أعدك أنك ستصبحين أفضل حالا”، ومن ثم خرجت. رفعت سميرة رأسها و بدأت تفكر في كلام الطبيبة، لتفاجأ بأطفالها يدخلون عليها الغرفة، ففي الحقيقة، لقد تبعها أطفالها عندما خرجت مسرعة و تركتهم ، ولاستعصاء تقفي أثرها ذهبوا إلى منزل جارتهم، كما أن منزلها لم يحترق حتى ، صادف يوم أمس نهاية الشهر لذا فقنينة الغاز كانت فارغة، شغلت الموقد لبضع دقائق فقط، والمنزل الذي احترق كان منزلا آخر لا يوجد حتى في الحي الذي تقطن فيه، لكن لشدة خوفها و حيرتها، لم تنتبه حتى أن ذلك حي آخر، بعد أن فهمت سميرة ما حصل بدأت تتغير نظرتها شيئا فشيئا، زوجها رغم أنه تعرض لحادث خطير، فهو على قيد الحياة، وعنده أمل كبير في التعافي، الشركة التي طردت منها كانت شركة استغلالية، تستنزف وقتها و جهدها و طاقتها، الآن لديها فرصة لتقضي وقتا أطول مع عائلتها، بل، ولديها فرصة لتبحث عن عمل أفضل، كان حياة سميرة تبدو كارثة، ليس لأنها كارثة، بل لأنها وضعت نفسها تحت ضغط شديد و كانت تنظر للعالم بعدسة سوداوية، لكن، بتغيير العدسة، وتغيير زاوية التصوير، أصبحت حياتها أفضل بكثير مما سبق.
*****************************

قصة بقلم التلميذة: سارة الكتامي
جذع مشترك علمي، خيار فرنسي

عن ورشة القصة القصيرة لنادي الثقافة والفن

:المرجو مشاركة الموضوع

  • مشاركة
  • مشاركة
  • أضف تعليق

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.